شريف هدهد Admin
عدد الرسائل : 506 تاريخ التسجيل : 13/12/2006
| موضوع: حكاية عن دستور 23 الأحد يناير 07, 2007 6:42 am | |
| حكاية عن دستور 23 بقلم: حازم عبدالرحمن يتردد كثيرا أن دستور1923, هو نموذج يجب أن نحتذي به اذا كان المطلوب هو إحداث تغيير جذري في حياتنا نحو الأحسن, ولكن الحقيقة أن هذا الدستور مثله مثل كل الدساتير التي عرفتها مصر في تاريخها الطويل لم يخل من عيوب بل ان هذه العيوب كانت جوهرية وقاتلة فلم يكن الملك, ولا الانجليز يرغبون في قيام ملكية دستورية في مصر, وكان الشعب أضعف من أن يفرض ارادته.
1 أول عيوب هذا الدستور أن الذي تصدي لوضعه كان لجنة الـ30. وهذه اللجنة جري تكوينها بقرار ملكي من أحمد فؤاد الأول, فهي اذن لم تكن لجنة تأسيسية جري اختيار أعضائها بأسلوب الانتخاب.
صحيح أن اللجنة مثلا, تكونت في أعقاب ثورة1919, وصحيح أيضا ان حزب الوفد المصري كان هو أقوي, وأكثر الأحزاب جماهيرية, ولكن الثابت أيضا ان الذين اختاروا أعضاء اللجنة, بذلوا قصاري جهدهم لكي يكون ممثلو هذا الحزب أقل مايمكن.
كذلك, جاء صدور الدستور بإرادة ملكية, فإذا كان الوضع بمثل هذه الصورة, فإنه لايمكن القول إن أعضاء لجنة الثلاثين الذين وضعوا هذا الدستور كانوا يعبرون فعلا عن القيم الحقيقية التي تعتمل في نفوس المواطنين بل إن الغالبية العظمي من المؤرخين, يقولون إن احتفاء هذا الدستور بقيم الحرية, وحق التعبير, وحرية الصحافة, واستقلال القضاء.. كل هذا يعود الفضل فيه إلي وجود شخصيات علي درجة عالية جدا من الثقافة والاطلاع من نوع لطفي السيد وعبد العزيز فهمي وعبدالخالق ثروت, وعدلي يكن ومصطفي عبد الرازق ومحمد حسين هيكل.. الخ.
وبوضوح لا لبس فيه, فإنه لايبدو لنا أن هناك أي وجه للشبه بين الأفكار النظرية لهؤلاء ولأحلامهم ولتصوراتهم وبين الواقع الفعلي في مصر في ذلك الزمان ويكفي أنهم تنازلوا عن أفكارهم وأحلامهم السياسية التي وضعوها في الدستور ووافقوا علي تكوين برلمانات مزورة وتشكيل حكومات علي أساس هذه البرلمانات المزيفة.
2 هكذا إذن صار هذا الدستور نوعا من الحلم الذي يستحيل أن يصبح حقيقة واقعية. وكان ذلك ظاهرا بشكل لاتخطئه العين, ففي ذلك الحين, كان المجتمع يتوزع بين ثلاث قوي سياسية حاول الدستور أن يقيم حالة من التوازن بينها. كانت هذه القوي هي الملك والسفير البريطاني والشعب ممثلا في حزب الوفد, وفي كل الأحوال تقريبا, وطوال الفترة بين1923 و1952, كان هناك تحالف بين الملك والسفير البريطاني ضد الوفد. يكفي أن نعرف أنه خلال هذه المدة التي بلغت29 عاما, لم يتم السماح لحزب الوفد بأن يشكل الحكومة, أو تكون له الأغلبية في مجلس النواب إلا نحو7 سنوات ونصف العام فقط.
ومن ذلك مثلا ترتيب الأوضاع قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية بتوقيع معاهدة1936 والاستعداد لاحتمال نجاح القوات النازية في اقتحام الأراضي المصرية في الحرب العالمية الثانية والتأكد من أن الوفد هو الذي يدير البلاد بحكم موقفه المعارض تماما للنازية في حين أن القصر وأحزاب الأقلية كان أغلبها يؤيد هتلر والنازية حتي أن الإسكندرية جرت فيها مظاهرات شهيرة تهتف.. إلي الأمام يارومل!!!
وكذلك كان الاخوان المسلمون ومصر الفتاة يؤيدون النازية والفاشية.. هكذا كانت بريطانيا الديمقراطية, تدير البلاد بشكل يخلو تماما من الديمقراطية.. وفي الواقع كان معني الديمقراطية, هو أن تميل كفة الميزان لصالح الشعب, علي حساب الملك, والحق أن صاحب الجلالة, سواء كان فؤاد الأول, أو فاروق الأول كانا في حالة صراع مستمر مع الوفد وجعلا همهما النيل منه وإضعافه بكل السبل, وتكشف ذكريات الساسة, عن أن الملك فؤاد كان يشعر بخنق شديد من الشعبية الكاسحة لسعد زغلول, الزعيم الشعبي, وكان القصر وأنصاره يحاولون تحقيره بالقول إنه زعيم لمجموعة من لابسي الجلاليب الزرق أي الفلاحين.. ولما غيب الموت سعدا جاء بعده مصطفي النحاس.. ولم يختلف موقف صاحب الجلالة سواء كان فؤاد, أو فاروق من النحاس باشا, فهما في النهاية كانا يشعران بحنق شديد من تدني شعبيتهما أمام الزعيم الشعبي..
وخلال هذه الفترة حاول القصر أن يستخدم كلا من أحمد حسين رئيس حزب مصر الفتاة, وحسن البنا رئيس جمعية الإخوان المسلمين لمنافسة شعبية الوفد الطاغية في صفوف الشباب خصوصا..
ويبدو أن ثورة يوليو تعلمت الدرس تماما, فهي لم تسمح أبدا بأن تظهر شخصية علي المسرح من نوع سعد أو النحاس تستطيع أن تنافس شخصية رئيس الجمهورية في قلوب المواطنين.
3 في دولة مركزية مثل الدولة المصرية يصعب جدا قيام مواقع أو بؤر نفوذ اجتماعي تستطيع ان تنافس هذه الدولة بدون أن يكون لها سند شعبي, فحتي الأعيان أو ما يسمي بالأرستقراطية المصرية التي نشأت في عهد الأسرة العلوية قامت كلها علي منح وعطايا من أفندينا ودراسة متأنية لمصدر ثروة كل أولئك البكوات والباشوات الذين ظهروا خلال الفترة بين عام1805 و1952 سوف تبين لنا أن العلاقة مع القصر كانت أحد العناصر الرئيسية في صناعة هذه الثروات
وليس هذا فقط بل إن العلاقة مع القصر ذاته لعبت دورا في صناعة الثورات المصرية في تلك الفترة أيضا, فقادة الثورة العرابية جميعا هم من رجال الخديو محمد سعيد وإسماعيل ثم توفيق, ولعب الخديو عباس حلمي الثاني دورا بالغ الأهمية في صناعة وتكوين نجوم مصر الزاهرة مصطفي كامل, ومحمد عبده, وقاسم أمين, وسعد زغلول.., وفتحي زغلول الخ. فضلا عن دوره في إنشاء الجامعة الأهلية التي أصبحت الجامعة المصرية. ومالنا نذهب بعيدا ورائد النهضة المصرية الحديثة, رفاعة رافع الطهطاوي هو من صناعة محمد علي والخديو إسماعيل!!
الحقيقة أن مسحة الديمقراطية, وأقول مكررا مسحة الديمقراطية التي ميزت المجتمع المصري في الفترة من1923 حتي1952 تعود أساسا إلي أن السلطة اعتمدت علي التوازن بين3 مراكز للنفوذ هي الملك, والسفير البريطاني, وحزب الوفد.. فلما ذهب الملك, ورحل السفير, وألغي الوفد, لم تعد هناك قوة في المجتمع لها سلطة أو نفوذ إلا الأجهزة الرسمية التي يجسدها نظام يوليو1952 | |
|