شريف هدهد Admin
عدد الرسائل : 506 تاريخ التسجيل : 13/12/2006
| موضوع: سياسة الشوارع والأمية الديمقراطية الثلاثاء ديسمبر 26, 2006 1:19 am | |
| سياسة الشوارع والأمية الديمقراطية بقلم: د. وحيد عبدالمجيد سبحان مغير الأحوال. الشارع, الذي كان ينظر اليه بشكل سلبي حتي وقت قريب, يتغير مدلوله الآن ليصبح مصدرا للرفعة في المعارك السياسية. يحدث هذا التغير في بعض الأوساط السياسية دون أن يمتد بالدرجة نفسها إلي المجتمع الذي درج لفترة طويلة علي التمييز بين أبناء الشوارع وأبناء البيوت.
ومازالت عبارة أطفال الشوارع معبرة عن هذا المعني. فعندما أراد المجتمع ان يصنف هذه الفئة, التي تقع تحت قاع السلم الاجتماعي, وجد ضالته في الشارع لينسبها إليه. غير ان الوضع يختلف الآن بالنسبة إلي الشارع السياسي. النزول إلي الشارع هو عنوان المرحلة الراهنة في الصراع علي لبنان. و(الشارع لنا) شعار اتخذته إحدي الحركات الشعبية الصغيرة التي تتكاثر في مصر الآن عبر التناسل, وليس من خلال التحاق الجمهور بها. الشارع السياسي في لبنان يشمل البلد علي امتداده, وإن كان يتركز في ساحتي الصلح والشهداء في بيروت. أما الشارع السياسي في مصر فهو لا يتجاوز كيلو مترا مربعا واحدا علي أكثر تقدير في وسط القاهرة.
وبغض النظر عن هذا الفرق, وفروق أخري, فليس كل استخدام للشارع في الصراع السياسي نوعا من الممارسة الديمقراطية. وفي بعض الأحيان قد يتعارض استخدام الشارع مع مقومات هذه الممارسة, وقد يكون نقيضا لها كما يحدث في لبنان. ولذلك فما أشد الدهشة التي يثيرها ولع بعض السياسيين والكتاب بالأزمة التي تهدد لبنان بانشطار عظيم أو حرب أهلية قد لا تبقي داخل حدوده هذه المرة. وصل هذا الولع إلي حد الرغبة في التعلم من الدرس اللبناني, الذي قيل تارة أنه درس في الديمقراطية الشعبية, وتارة أخري أنه درس في الحرية. غير ان استخدام الشارع في الأزمة اللبنانية الراهنة تحديدا, بخلاف بعض الأزمات السابقة وليست كلها, هو أبعد ما يكون عن الممارسة الديمقراطية. فعندما يكون المجتمع منقسما في العمق, وحين يتمحور الصراع حول مشروعين كبيرين لكل منهما امتداده الدولي والإقليمي, يصبح الحوار والسعي إلي حل وسط هو جوهر الممارسة الديمقراطية. فالتظاهر والاعتصام لا يصلحان بطابعهما لمعالجة أزمة بهذا الحجم. فهما, وغيرهما من أساليب الاحتجاج, يفيد استخدامها في الضغط من أجل مطلب محدد واضح وصريح.
وقد يقول قائل, هنا, إن قرار تحالف8 آذار, أو ما يسمي الآن المعارضة, بالنزول إلي الشارع استهدف تحقيق مطلب محدد للغاية, وهو تشكيل حكومة وحدة وطنية تحصل قوي هذا التحالف علي أكثر من ثلث حقائبها حتي لا يستطيع التحالف الآخر(14 آذار) صاحب الأغلبية النيابية حاليا تمرير القرارات الكبري التي تحتاج إلي اغلبية الثلثين دون مناقشة.
وبالرغم من أن هذا هو المطلب الأساسي للبنانيين الذين نزلوا إلي الشارع بالفعل, فهو ليس أكثر من قمة جبل الجليد في أزمة أعمق بكثير. فمشكلة تركيب الحكومة تمتزج بمشكلات إجرائية أخري أهمها انتخابات الرئاسة والمحكمة ذات الطابع الدولي ونظام انتخاب البرلمان. وهذه المشكلات كلها هي الجزء الظاهر فقط من أزمة التناقض بين مشروع المقاومة التي تلغي الدولة أو تصادرها ومشروع الدولة التي تلغي المقاومة ولا تحفل بالحق الوطني.
فالأزمة تتعلق, علي هذا النحو, بهوية لبنان وطبيعته أكثر مما تدور حول نظامه السياسي أو حكومته. ولذلك فإن كان استخدام الشارع يفيد في حل مشكلات تقتضي ممارسة ضغط علي الحكومة في أي بلد ديمقراطي, فهو لا ينفع في حل التناقض البنائي بين مشروعين يريد كل منهما أن يلغي الآخر. وإلغاء أحدهما للآخر يعني القضاء علي انصار المشروع المهزوم. وما هذا من الممارسة الديمقراطية في شيء.
فهذه الممارسة تتحقق, في مثل هذا الظرف, عبر السعي إلي تسوية تاريخية بين المشروعين المتناقضين. ولا سبيل للوصول إلي مثل هذه التسوية إلا عبر الحوار الوطني الجاد الذي ينطلق من إدراك خطر الصدام بين أصحاب المشروعين, وبالتالي مغبة استخدام الشارع علي نحو يمكن أن يجعل هذا الصدام قريبا. وليتنا نتصور ما الذي يمكن أن يحدث إذا اتجه فريق(14 آذار) إلي الرد علي إنزال جماهير الفريق الآخر إلي الشارع بالطريقة نفسها. ولعلنا لا نخطيء تقدير الموقف الذي يمكن أن يترتب علي تقاسم جماهير الفريقين ساحتي وسط بيروت الرئيسيتين في ظل الشحن السياسي والمعنوي المتزايد علي الجانبين. ففي هذه الحالة يصعب تجنب الاحتكاكات التي تقود إلي اشتباكات تكبر بسرعة وتمتد إلي كثير من المناطق التي يوجد فيها أنصار لكلا الفريقين. وعندئذ يتحول ما يظنه بعضنا ديمقراطية الشارع إلي صدام الشوارع المتقابلة المسكونة بكثير من التوتر والمشحون سكانها ضد بعضهم بعضا. فقد تكرر علي ألسنة من استطلعت أراؤهم تعبيرات مثل الناس محقونة والشوارع محتقنة. وهذا نقيض الممارسة الديمقراطية التي تمتص الاحتقان وتحول الصراع السياسي مهما يكن ملتهبا إلي تنافس سلمي. كما أن هذه الممارسة تضع حدا للتعصب بمختلف أشكاله الدينية والطائفية والمذهبية والعرقية. قد لا تنهي الديمقراطية هذا التعصب, ولكنها علي الأقل تدفعه إلي التراجع أو التقلص, بخلاف ما يحدث في لبنان الآن, حيث يعاد رسم الخطوط الطائفية والمذهبية حتي داخل البيت الواحد أي أبناء وأحفاد الزيجات المشتركة.
وهذا غيض من فيض لا يمكن ان يكون مصدرا لإلهام أو لرغبة في تعميمه إلا في ظل أمية ديمقراطية منتشرة في بلادنا. وبسبب هذه الأمية يتعذر إدراك ان للديمقراطية مقومات, وأن ممارستها تتعذر في غياب بعض هذه المقومات. وفي مقدمة هذه المقومات أن تكون هناك دولة وطنية تقوم علي المواطنة وحكم القانون. ولكي توجد دولة في وطن محدد, لابد أن يكون هناك قدر من التوافق يجمع بين من يمارسون الديمقراطية, من خلال الاتفاق علي طبيعة الدولة وهويتها ثم الاختلاف علي السياسات والاتجاهات والبرامج. لكن الاختلاف في لبنان الآن هو علي طبيعة الدولة وهويتها.
ولذلك يتبادل الفريقان المتصارعان الاتهامات علي كل صعيد تقريبا. ولكن أكثر ما يتبادلونه هو الاتهام بانعدام الوطنية أو بالعمالة إما لإيران وسوريا, أو لأمريكا وفرنسا وإسرائيل.
فليس من الممارسة الديمقراطية في شيء مثل هذا الخطاب الذي يشعل النار ويغذيها بما يزيدها لهيبا. ولذلك فليس هذه الأمية السياسية التي تعجزنا عن إدراك ما يعتبر ممارسة ديمقراطية يمكن أن نقتدي بها أو نستوعب دروسها, وتدفعنا إلي الانقياد وراء أي مشهد جماهيري دون أن نتأمل أبعاده وندرك مغزاه. | |
|