شريف هدهد Admin
عدد الرسائل : 506 تاريخ التسجيل : 13/12/2006
| موضوع: أمــة يتيمـة علي موائد اللئـام الثلاثاء ديسمبر 26, 2006 1:18 am | |
| أمــة يتيمـة علي موائد اللئـام بقلم: فهمـي هـويـــدي حين وقعت علي أحدث صورة للمشهد العربي, وأتيح لي أن أتعرف علي قسماتها التفصيلية عن قرب, لم أجد تعليقا عليها أجدر من العبارة التالية: أمة يتيمة علي موائد لئام آخر الزمان.
(1) هذه الخلاصة لها قصة, إذ كنت قد عكفت في الآونة الأخيرة علي جمع معلومات عن دور مصر في العالم العربي, ضمن الإعداد لمحاضرة كان مطلوبا مني إلقاؤها علي أعضاء جمعية الدارسين والمتدربين المصريين في بريطانيا, وخرجت من هذه التجربة بمجموعة من النتائج والانطباعات لست في وارد التفصيل فيها الآن, لكن أهمها أن ذلك الدور في تراجع مستمر, وبعد يومين من المحاضرة, قدر لي أن أشارك في اجتماعات المؤتمر القومي الإسلامي, الذي انعقد في الدوحة خلال يومي الخميس والجمعة الماضيين(21 و12/22) ولأن الذين اشتركوا في المؤتمر كانوا270 شخصا من المثقفين, الذين قدموا من مختلف الأقطار العربية, فإن اللقاء وفر لي فرصة التعرف علي العديد من القسمات التفصيلية للمشهد, الذي وجدت العالم العربي فيه جسما بلا رأس, أكثر من ذلك فإنني رأيت الجسم ينزف من مواضع عدة, بعض النزيف دم, وبعضه دمع هتون!.
مما قرأت في أوراق المؤتمر وسمعت من المشاركين فيه, لاحظت أمورا ثلاثة هي: * أن الجميع يستشعرون الحيرة ويقلقهم المستقبل, من جراء تغول قوي الهيمنة وغياب الظهير من داخل النظام العربي, ومنهم من قال إن العالم العربي صار سفينة بلا ربان, وأن الأمة تيتمت حتي أصبحت بلا معيل أو كفيل, فأنفرط عقدها واستباح الطامعون عرضها. * أن نبرة الغضب كانت عالية إزاء الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا, الأمر الذي جاء تصديقا للاستطلاعات التي تحدثت عن تنامي مشاعر العداء والكراهية للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين, التي تجاوزت90% في أغلب الأقطار العربية, كما كان تعبيرا عن اتساع الفجوة الهوة بين العرب والمسلمين وبين الغرب, وليس تضييقها. * ان الشعور بالقلق أو الخطر جعل ممثلي القوميين والإسلاميين يخفضون كثيرا من سقوف تطلعاتهم, فما عادوا يتحدثون عن الوحدة العربية أو نموذج المجتمع الإسلامي المنشود, إذ عد ذلك ترفا لا تحتمله الظروف الراهنة, وبدا أن الشاغل المهيمن علي الجميع هو كيفية صد الغارات واطفاء الحرائق وانقاذ السفينة من الغرق, فاذا كانت وحدة القطر الواحد علي المحك في لبنان والعراق وفلسطين والسودان ـ وذلك تراجع كارثي بامتياز ـ فلا محل للحديث في مثل هذه الظروف عن الوحدة العربية مثلا, الأمر الذي يعني أن الفجوة لم تتسع فقط بين العالم العربي والغرب, وانما اتسعت أيضا في محيط الأمة ذاتها بين واقع العرب وأحلامهم أو طموحاتهم.
(2) لا يظن أحد أن المؤتمر حل مشكلات العرب, وأن أحوال الأمة بعده ستكون أفضل مما كانت عليه قبله, الي غير ذلك من المعاني التي أثارتها أسئلة بعض الصحفيين, وعبرت عن السذاجة حينا والتخابث حينا آخر, ذلك أن المؤتمر في أحسن فروضه لم يكن سوي نداء جدد الدعوة الي الاستنفار والاحتشاد في مواجهة المخاطر المحدقة من الداخل والخارج, ان شئت فقل إنه بمثابة جرس انذار حاول أن يلفت الانتباه الي ما تمارسه الذئاب المتربصة بالجسد العربي ـ فضلا عن أنه واصل جهاده لتثبيت فكرة الأمة, التي أصبحت استحقاقاتها ومفرداتها معرضة للملاحقة والمطاردة, في ظل دعوات الانكفاء والانعزال المسمومة التي بشرت بها بعض شرائح النخبة, تلك التي رفعت شعارات من قبيل نحن أولا ولا شأن لنا بغيرنا والعولمة هي الحل وتكملة الأول التي تعلن حينا ويتم اخفاؤها في أحيان كثيرة هي, لتذهب قضايا المصير العربي الي الجحيم, وأولها قضية فلسطين, أما الثاني فهو يستنبط دعوة ملحة الي اللحاق بالمركبة الأمريكية والإذعان لما تمليه واشنطن, حتي اذا كان تعبيرا في الإدارة الإسرائيلية.
كان تحرير حال الأمة هو الهاجس الأساسي للمؤتمر, لأجل ذلك فإنه وجه اهتماما خاصا الي ملفات ستة هي: العراق وفلسطين ولبنان والسودان والصحراء الغربية والمغتربات العربية والإسلامية, وهي مناطق الحرائق القائمة أو المرشحة, وبعضها مما يستمر فيه نزيف الدم, والبعض الآخر مما تتفاعل فيه مؤشرات التوتر بدرجة أو أخري, وبرغم أن حوارات ممتدة دارت حول هذه الملفات في داخل اللجان الفرعية, فإنني أزعم أن الحوارات التي جرت خارج اللجان وفي أروقة المؤتمر كانت لا تقل أهمية, فضلا عن أنها كانت أكثر صراحة.
إزاء ذلك, فلعلي لا أبالغ اذا قلت إن المؤتمر لم يحل شيئا من مشكلات الأمة, لكنه وفر للمشاركين فيه صورة أشعة حديثة لحال الأمة في ختام العام السادس من الألفية الثالثة.
(3) هو عام الأفعال السياسية الفاضحة. كانت تلك هي الخلاصة التي خرجت بها من محاولة تشخيص حال الأمة, في الحوارات التي جرت داخل اللجان وخارجها, ولكي أكون أكثر دقة فلعلي أقول إن تلك قراءة لمجمل الحال من زاوية معينة, لا تتعارض مع أية خلاصة مغايرة ترصد الحال من زاوية أخري, كما سنري بعد قليل.
تستطيع أن تدرك أكثر مدي انفضاح الوضع العربي اذا قارنته بالحاصل في أمريكا اللاتينية, الواقعة في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة, اذ في حين تشهد تلك المنطقة من العالم صحوة مشهودة, هبت في ظلها رياح التمرد علي الهيمنة الأمريكية, واسفرت حتي الآن عن انتخاب ثمانية أنظمة رافضة لتلك الهيمنة, فإن الحال علي العكس تماما في العالم العربي, فرغم أنه علي بعد آلاف الأميال من الولايات المتحدة, فإن الهيمنة الأمريكية علي مقدراته تتسع وتزداد احكاما, فالتمرد هناك يقابله انصياع هنا, وحراك الشعوب هناك الذي أحدث التغيير في الاتجاه السياسي من النقيض الي النقيض, يقابله في العالم العربي جمود مطبق, لم يفرز أي تغيير يذكر, كأنما التغيير صار خطا أحمر, لا يسمح إلا بالحديث عنه والتشوق إليه.
تسوغ لنا هذه المقارنة أن نقول إن أمريكا اللاتينية مارست بشجاعة حق الخلع من الهيمنة الأمريكية في عام2006, أما العالم العربي فلايزال أسير بيت الطاعة الأمريكي مستمرئا زيجة كرهتها الشعوب, وهتكت في ظلها أعراض بعض الأقطار.
اذا لم تصدق هذا الكلام, فقل لي بربك بماذا يوصف الذي يجري في العراق, الذي تعرض للاحتلال منذ ثلاث سنوات, ومنذ ذلك الحين استبيح عرضه وتمارس بحقه مختلف أشكال الاغتصاب, الحقيقي والمجازي, وذلك كله تم علي مرأي ومسمع من الدول العربية؟
لقد دمر العراق ونهبت ثروته وأبيد من أهله أكثر من600 ألف مواطن, ثم تعرض للتفتيت الذي افتتحه الأكراد, وحذا بعض قادة الشيعة حذوهم, الذين تحدثوا بدورهم عن فيدرالية تضم9 محافظات في الجنوب, ولتكريس ذلك فإن حملة وحشية واسعة النطاق تجري الآن لتهجير أهل السنة من مدنهم وقراهم, في حملة للتطهير العرقي, هي جريمة ضد الإنسانية بكل المقاييس, ذلك كله يحدث, وأكثر منه قادم في الطريق, حيث ترشح بغداد ذاتها للسقوط في ايدي الغوغاء من دعاة التعصب المذهبي, والدول العربية واقفة تتفرج. حتي الأزهر لم تسمع له كلمة في الموضوع.
لقد نسي الناس أن الاحتلال هو الذي أشعل نار الفتنة منذ جاء, وأقدم علي تشكيل مجلس الحكم الانتقالي علي أساس طائفي وعرقي. وفي نظر كثيرين فإن المعركة لم تعد تحرير العراق من الاحتلال الأمريكي, ولكنها صارت حماية أهل السنة من زحف المد الشيعي, وسمعت من بعض العراقيين أن الخطر الأخير الذي ينسب الي إيران دعمه وتأييده بات مقدما علي خطر الاحتلال, بعدما أوصلتهم التجربة الي حد المفاضلة بين الدفاع عن النفس والدفاع عن الوطن.
سألني الشيخ حارث ضاري رئيس هيئة علماء المسلمين الذي كان مشاركا في المؤتمر: هل خطر ببال أحد يوما ما أن يحدث ذلك كله للعراق, وأن يقابل بصمت من العالم العربي؟
نفس السؤال سمعته من الدكتور عصام نعمان السياسي اللبناني المعروف, الذي قال إن صمت أكبر الدول العربية علي حصار لبنان وعزله إبان العدوان الإسرائيلي, يظل لغزا مدهشا يحتاج الي تفسير.
السؤال ذاته سمعته من السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس, الذي قال لي إنه لايزال غير مصدق أن أغلب الدول العربية بادرت الي مقاطعة الحكومة الفلسطينية الجديدة وشاركت في عمليات تجويع الشعب الفلسطيني, امتثالا للضغوط الأمريكية والإسرائيلية, وأن تلك الدول ظلت علي موقفها العاجز برغم قرار مجلس جامعة الدول العربية بإنهاء المقاطعة وكسر الحصار.
أفاض أبوالوليد في هذا الحديث في جلسة امتدت الي ما بعد منتصف الليل, وطرح في ثنايا حديثه ملاحظة قال انها تحيره وتدهشه, خلاصتها أن الفراغ الحاصل في رأس النظام العربي, أغري بعض اللاعبين الصغار بمحاولة تصدر الواجهة وتسديد الأهداف في الاتجاه المغلوط, الأمر الذي دفعه الي التساؤل: لماذا يعزف الكبار عن النزول الي الساحة, علي الأقل لكي يحولوا دون تسديد الأهداف في ذلك الاتجاه البائس؟ ـ وهو سؤال لم تكن اجابته عندي, لكنني فهمت انه رسالة لغيري.
(4) لا يتسع المجال لاستعادة بقية الأسئلة التي سمعتها من مثقفي بقية الأقطار العربية, خصوصا تلك التي عبروا فيها عن مشاعر الحيرة والقلق والخوف من المستقبل, في ظل استمرار حالة الانكفاء العربي وغياب المرجعية أو الرأس للجسم العربي, التي وصفها بعضهم بحالة اليتم التي تعاني منها شعوب الأمة.
في هذا السياق, ذكر بعض المثقفين المشاركين أن الأجواء الراهنة ليست كلها سلبية لسببين رئيسيين, أولهما أن السياسة الأمريكية ذاتها تعاني من التراجع والهزيمة في أنحاء متفرقة من العالم, تتجاوز العراق وأفغانستان الي أمريكا اللاتينية, وهو ما دعا ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية في الولايات المتحدة الي كتابة مقالته الشهيرة التي تحدث فيها عن انتهاء الحقبة الأمريكية من العالم, في الوقت ذاته فإن إسرائيل فقدت هذا العام علي وجه التحديد قوة الردع التي طالما خوفت بها العالم العربي, بعد هزيمتها في عدوانها علي لبنان, فضلا عن أنها تعاني الآن فراغا في القيادة ظهرت معالمه في الآونة الأخيرة. ومن وجهة النظر العربية فإن هذا هو الظرف المناسب, ليس فقط للممانعة, وانما أيضا للضغط والتشدد في الدفاع عن الحقوق, وربما رفع سقف الطلبات أيضا, وعدم إدراك هذه الحقيقة, والذهول عن الإفادة منها يعد دليلا علي المدي الذي بلغه تدهور الوضع العربي.
الإيجابية الثانية أن النظام العربي حين تهاوي وتخلي عن دوره, فإن الشعوب أثبتت أن رصيد العافية والمقاومة لديها لم ينفد بعد, وهو ما أثبتته شواهد الواقع في فلسطين والعراق ولبنان علي الأقل, الأمر الذي يجدد السؤال: من يستنهض, ويستثمر ذلك الرصيد ويوظفه في الاتجاه الصحيح الذي يصب في وعاء النهوض بالأمة وليس العكس؟ ـ للكلام بقية في الأسبوع المقبل بإذن الله.. | |
|